بعد سنوات من التأجيل، المتحف المصري الكبير يفتتح أبوابه لزواره أمام العالم
إيلاف -

تفتتح مصر المتحف المصري الكبير في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، بعد سنوات من التأجيل والإعداد، ليصبح أكبر متحف في العالم مخصص للحضارة المصرية القديمة.

ويمثل الافتتاح خطوة بارزة في مسار طويل لبناء مؤسسة تُقدَّم فيها آثار مصر الفرعونية في إطار حديث يجمع بين العرض المتحفي والتقنيات الرقمية.

يأتي هذا المشروع الذي استغرق إنجازه أكثر من عشرين عاماً في وقت تسعى فيه السلطات إلى تعزيز السياحة الثقافية، وتقديم تجربة جديدة للزوار تجمع بين التاريخ والموقع المطل على أهرامات الجيزة.

اكتشاف مومياء في تابوت فرعوني كان يُعتقد أنه فارغ طوال 150 عاما

من أين ينحدر المصريون القدماء؟

يصف مسؤولون مصريون افتتاح المتحف بأنه "حدث القرن الثقافي"، لأنه وفقاً لهم لا يُمثّل مجرد تدشين مبنى جديد، بل "تتويج لرحلة طويلة من الحلم والعمل بدأت منذ التسعينيات".

احتفال ضخم على أعتاب الأهرامات

يُقام حفل الافتتاح الرسمي مساء الجمعة الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني، في الساعة السابعة والنصف بتوقيت القاهرة، عند سفح الأهرامات، في احتفال يُبث مباشرة عبر منصة "تيك توك" بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار.

ويتوقّع أن يحضره عدد كبير من قادة الدول والملوك وشخصيات ثقافية عالمية، إلى جانب ضيوف من منظمات التراث الدولية مثل اليونسكو، ما يعكس مكانة المشروع ورمزيته في المشهد الثقافي العالمي.

وأعلنت الحكومة المصرية هذا اليوم عطلة رسمية في الوزارات والهيئات الحكومية، في إشارة إلى خصوصية المناسبة، بينما يستعد المتحف لاستقبال الجمهور بدءاً من الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني بعد استكمال الترتيبات النهائية.

تأجيلات متكررة قبل الوصول إلى لحظة الافتتاح

على مدى أكثر من عشرين عاماً، تعاقبت مراحل التصميم والبناء للمتحف المصري الكبير، وتبدّلت جداول الافتتاح أكثر من مرة بسبب تحديات التمويل وتفشي فيروس كورونا، ثم بسبب "الظروف الإقليمية"، كما أشارت الحكومة في يوليو/ تموز الماضي.

وقالت وزارة السياحة والآثار إن التأجيل الأخير كان ضرورياً "لضمان أن يظهر المتحف بالصورة التي تليق بمكانة مصر وتاريخها"، وهو ما ساهم في رفع سقف التوقعات لدى الجمهور المحلي والدولي على حد سواء.

موقع يطلّ على الأهرامات
المتحف المصري الكبير.
Getty Images
يضم قلب المتحف جناح الملك توت عنخ آمون، الذي يعرض مقتنياته كاملة للمرة الأولى منذ اكتشاف مقبرته عام 1922، وتشمل أكثر من خمسة آلاف قطعة من الذهب والعاج والأحجار الكريمة.

يقع المتحف المصري الكبير على طريق القاهرة- الإسكندرية الصحراوي، على بُعد نحو كيلومترين من أهرامات الجيزة، في موقع اختير ليكون امتداداً بصرياً للموقع الأثري العريق.

ومن باحة المتحف الكبرى، يمكن للزائر أن يرى الأهرامات من خلف جدران زجاجية ضخمة، في مشهد يقول المسؤولون إنه "يجعل من المتحف بوابة طبيعية إلى التاريخ المصري القديم".

يقع المتحف على مجمّعٍ مساحته تقارب 470- 500 ألف متر مربع، بمساحة مبنية تُناهز 167 ألف متر مربع، وتضم قاعات عرض دائمة تُقدَّر بنحو 24 ألف متر مربع، إلى جانب مساحات عرض إضافية يصل مجموعها في بعض المراجع إلى نحو 81 ألف متر مربع.

ويضم المتحف أيضاً مركزاً علمياً للترميم يُعدّ من الأكبر في الشرق الأوسط، ومناطق تعليمية وثقافية وحدائق مفتوحة.

وتقول وزارة السياحة المصرية إن تصميم المبنى، الذي نفّذته شركة هينغانو آيرلند الأيرلندية، يعتمد على فكرة "الحجر والضوء"، بحيث يدخل الزائر في تجربة بصرية تبدأ من الأهرامات وتنتهي في أعماق الحضارة.

ما الذي يضمه المتحف المصري الكبير؟

يضمّ المتحف أكثر من خمسين ألف قطعة أثرية تمثل مختلف عصور التاريخ المصري، من ما قبل الأُسُرَات حتى العصرين اليوناني والروماني.

في البهو الرئيسي، يقف تمثال رمسيس الثاني، الذي نُقل عام 2006 من وسط القاهرة إلى موقعه الجديد، ليستقبل الزوار عند المدخل الرئيسي.

أما قلب المتحف فهو جناح الملك توت عنخ آمون، الذي يعرض مقتنياته كاملة للمرة الأولى منذ اكتشاف مقبرته عام 1922، وتشمل أكثر من خمسة آلاف قطعة من الذهب والعاج والأحجار الكريمة.

ويُعرض أيضاً قارب الملك خوفو الشمسي بعد نقله من موقعه الأصلي بجوار الهرم الأكبر عام 2021، إلى جانب تماثيل ضخمة ونقوش حجرية ولوحات فرعونية خضعت لترميم دقيق في معامل المتحف.

وتقول مصادر في وزارة السياحة إن قاعات العرض صُممت لتسرد "قصة مصر" في "تسلسل زمني يدمج بين الأثر والمعلومة والصورة والوسائط التفاعلية".

المومياوات الملكية
صورة من موكب المومياوات الملكية.
Getty Images
صورة من موكب المومياوات الملكية.

شهدت القاهرة في أبريل/ نيسان 2021 موكباً مهيباً لنقل 22 مومياء ملكية من المتحف المصري بميدان التحرير، وسط القاهرة، إلى المتحف المصري الكبير.

الموكب الذي حمل اسم "موكب المومياوات الملكية" ضمّ ملوكاً وملكات من الدولة الحديثة، بينهم رمسيس الثاني والملكة حتشبسوت، وسار في شوارع القاهرة وسط استعراض ضوئي وموسيقي ضخم.

جرى نقل المومياوات داخل كبسولات مملوءة بالنيتروجين لضمان حمايتها من التغيرات البيئية، في عملية وُصفها مسؤولون مصريون بأنها "حدث غير مسبوق في تاريخ المتاحف الحديثة"، وكرّست صورة المتحف الجديد كمنزلٍ نهائي للملوك الذين بنوا أهرامات الجيزة قبل آلاف السنين.

المواعيد وأسعار التذاكر

بحسب الموقع الرسمي للمتحف، تفتح الصالات أبوابها يومياً من التاسعة صباحاً حتى التاسعة مساءً بتوقيت القاهرة، بينما تُغلق شباك التذاكر في الثامنة مساءً بالتوقيت المحلي.

وتتراوح أسعار التذاكر للأجانب بين 1200 و1300 جنيه مصري (نحو 25 دولاراً أمريكياً)، بينما تحددت أسعار أقل للمصريين بمئتي جنيه (نحو ٤ دولارات) وللطلاب وكبار السنة بمئة جنيه مصري.

وتتيح إدارة المتحف الحجز الإلكتروني المسبق عبر موقعها الرسمي لتجنب الازدحام وضمان تنظيم الزيارات.

مشروع قومي

يقول مسؤولون مصريون إن المتحف المصري الكبير يعد مشروعاً قومياً ذا طابع حضاري وسياحي واقتصادي في آنٍ واحد.

فهو لا يهدف إلى عرض الآثار فحسب، بل إلى بناء تجربة تعليمية وتفاعلية قادرة على جذب جيلٍ جديد من المصريين والسُياح على حد سواء.

ويتوقع خبراء السياحة أن يرفع افتتاح المتحف أعداد الزائرين إلى منطقة الجيزة بنسبة تتجاوز 30 في المئة خلال عامه الأول، مع إمكانية دمج زيارة الأهرامات والمتحف في مسار واحد.

كما يُعوَّل على المتحف في تعزيز صورة مصر كوجهة ثقافية عالمية، خصوصاً مع موقعه القريب من مطار سفنكس الدولي، ما يسهل وصول السياح القادمين من الخارج مباشرة إلى الجيزة دون المرور بالقاهرة المزدحمة.

أهمية رمزية

يقول مسؤولون في وزارة السياحة والآثار إن المتحف المصري الكبير لا يقتصر دوره على عرض القطع الأثرية، بل يمثل تحولاً في طريقة تقديم التراث المصري للجمهور، من خلال الاعتماد على تقنيات حديثة في العرض والإضاءة والتوثيق الرقمي.

ويرى عدد من علماء الآثار المصريين أن المتحف يُعد خطوة في اتجاه "إعادة تعريف العلاقة بين المصريين وتراثهم القديم"، وأن موقعه المطل على الأهرامات يمنحه بعداً رمزياً يجمع بين التاريخ والهوية الوطنية.

ويُعدّ المتحف المصري الكبير من أكبر المتاحف الأثرية في العالم من حيث المساحة، والأكبر من نوعه المكرّس لحضارة واحدة، وفق تقارير دولية من بينها الغارديان وناشيونال جيوغرافيك.



إقرأ المزيد