الشرق - 8/2/2025 10:17:01 AM - GMT (+3 )

نظم نادي الإعلاميين السوريين في قطر بالتعاون مع المركز القطري للصحافة ندوة بعنوان: "دور الإعلام في مواجهة الخطابات الطائفية وتعزيز السلم المجتمعي".
وأقيمت الندوة بقاعة الأستاذ ناصر بن محمد العثمان، بمشاركة نخبة من الباحثين والمفكرين، وتحدث فيها كل من الدكتور مروان قبلان، مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والدكتور مضر الدبس، الكاتب والباحث السوري، وأدارتها الإعلامية رولا حيدر بحضور عدد من الجمهور والمهتمين.
وأكدت الإعلامية رولا حيدر أن انعقاد الندوة يأتي في توقيت دقيق بعد تصاعد ملحوظ في الخطابات الطائفية بين السوريين، خاصةً في أعقاب أحداث السويداء التي وصفتها بـ"نقطة الانفجار"، كونها مرآة تعكس عمق الأزمات التي يعيشها السوريون في هذه المرحلة الحساسة.
وأشارت إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام التي يُفترض أنها مهنية، وقعت بدورها في فخ الخطاب الطائفي.
وأشادت بمشاركة كل من الدكتور مروان قبلان، مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والدكتور مضر الدبس، الكاتب والباحث السوري في الندوة، مؤكدة أن النقاش يتناول جذور خطاب التطرف، ودور الإعلام في التصدي له وتعزيز السلم المجتمعي.
جذور الخطاب
في البداية، استهل الدكتور مروان قبلان حديثه بالتأكيد على أن الخطاب الطائفي في سوريا ليس وليد اللحظة، بل له جذور ممتدة في التاريخ السوري، وإن كانت بدرجات متفاوتة.
وأشار إلى أن النظام السوري السابق، عمل على تلويث الهوية الوطنية بلون أيديولوجي واحد، ما أدى إلى شرخ كبير في العلاقة بين الدولة والمجتمع.
وأوضح أن المؤسسة العسكرية السورية شهدت انشقاقات كبرى منذ بداية الثورة، وكان من بين أسباب ذلك شعور فئات واسعة من الشعب بالتهميش؛ كونها غير ممثلة في مؤسسات الدولة.
ونوه بأن التحالفات التي نشأت لمواجهة السلطة خلال الثورة لم تكن طائفية، بل شملت أطيافاً من مختلف الطوائف، مما يدل على أن الانقسام في سوريا كان في جوهره اجتماعياً وطبقياً أكثر من كونه طائفياً، حيث كان أقرب لصراع بين الريف والمدينة التي كانت تسيطر على السلطة.
وبيّن أن غياب العدالة الاجتماعية، واحتكار السلطة والثروة من قبل فئة بعينها، أديا إلى حالة من الاحتقان العام، سرعان ما تحولت إلى انقسام طائفي واضح بعد انطلاق الثورة السورية، خاصة مع استخدام النظام هذا الخطاب كوسيلة دفاع وتفتيت للشارع الثائر.
عوامل مركبة
وأكد الدكتور قبلان أن الخطاب الطائفي لم يكن منتشراً بهذا الشكل الحاد قبل الثورة، وأن تصاعده جاء نتيجة عوامل مركبة، أهمها الطريقة التي تعامل بها النظام مع المتظاهرين، وغياب أي مسار حقيقي للمحاسبة أو العدالة، مما دفع بعض المتضررين إلى محاولة تحصيل العدالة بأنفسهم.
لافتاً إلى أن تعدد الطوائف أمر طبيعي في كثير من الدول ولا ينتج عنه أي مشكلات، لكن الأمر كان مختلفاً في سوريا عندما تمترست كل طائفة للدفاع عن حقوقها.
وأشار إلى أن أحد أبرز مظاهر الأزمة اليوم هو ضعف الهوية الوطنية الجامعة، نتيجة غياب دولة العدالة والقانون، حيث يشعر المواطن بأن العلاقة بينه وبين الدولة إدارية فقط، لا تتعدى معاملات الروتين والمصالح.
وأوضح أن الدولة السورية، رغم كل ما مرّت به، ظلت قائمة من الناحية المؤسسية، مشيراً إلى أن هناك خدمات أساسية لم تنقطع، مثل الكهرباء، مما يدل على وجود مؤسسات ما زالت تعمل، حتى لو كانت فاعليتها ضعيفة.
ونبّه إلى أن غياب الدولة لا يعني فقط غياب المؤسسات، بل غياب دولة المواطنة، والمساواة، وتكافؤ الفرص، مما يدفع المواطن للجوء إلى الهويات الفرعية مثل الطائفة أو القبيلة؛ بحثاً عن الحماية والانتماء.
وأكد في هذا السياق، أن النظام الحالي يجب أن ينجح في مهامه، محذراً من حدوث فوضى لا يمكن السيطرة عليها كما حدث من قبل، منوهاً إلى أن فشل السلطة الحالية في إدارة المرحلة الانتقالية لن يؤدي فقط إلى سقوط النظام، بل إلى تفكك الدولة نفسها.
وأشار إلى أن إنقاذ سوريا لا يمر فقط عبر تغيير النظام، بل عبر إعادة تأسيس الدولة على أسس جديدة تقوم على المواطنة والعدالة والهوية الوطنية الجامعة، داعياً أطياف الشعب السوري للوقوف خلف النظام الجديد، ومساعدته على تحقيق الاستقرار.
تعميق الأزمة
واستعرض الدكتور مروان قبلان ما حدث في سوريا خلال فترة حكم النظام السابق، مؤكداً أن غياب الدولة ككيان عادل وقانوني أسهم في تعميق أزمة الهوية والانتماء في سوريا، حيث تحوّلت العلاقة بين المواطن والدولة إلى علاقة إدارية شكلية، بسبب اختزال الدولة في بعدها الأمني وتلاشي حضورها كضامن للعدالة والمساواة.. فالخطاب الطائفي يدعم بقاء الأنظمة الاستبدادية.
وأوضح أن هذا الغياب فتح المجال لعودة الانتماءات القبلية والطائفية، كما حدث في العراق بعد غزو الكويت، حين لجأت السلطة إلى دعم الهويات التقليدية لضبط المجتمع في ظل ضعف الدولة المركزية.
ونوه بأن هذا النمط يعزز الخطابات الطائفية، ويجعل المجتمع هشاً أمام أي صدمة، حيث يمكن لأي حادث بسيط أن يشعل موجة من الانفجار المجتمعي بفعل الشائعات، وضعف الثقة بالمؤسسات.
الحالة السورية
وشدد الدكتور مضر الدبس على أن الخطاب الطائفي لا يمكن أن ينشأ في سياق سياسي سليم، فحيث توجد السياسة الحقيقية تنهار النزعات الطائفية والقبلية بطبيعتها، لافتاً إلى أن أحد أسباب تصاعد الطائفية في الحالة السورية كان غياب الفضاء السياسي الحقيقي، فسيطر الخطاب الطائفي والشحن العاطفي والهوياتي على المجتمع.
وقال الدبس: ما نعيشه اليوم هو نتيجة مباشرة لانهيار مشروع الدولة الوطنية، وانحسار الخطاب السياسي لحساب الخطابات الهوياتية والانفعالية.
ورأى أن لحظة انفجار الخطاب الطائفي- كما تجلى في أحداث السويداء- تعكس هشاشة الهوية الوطنية السورية، محذراً من أن تحويل كل حدث تاريخي أو رمزي إلى مناسبة طائفية، هو أمر بالغ الخطورة يضعف أي مشروع وطني جامع، حيث تستغل إسرائيل السلاح الطائفي لإحداث الفوضى في سوريا.
وأكد أهمية وجود فضاء سياسي مفتوح يشارك فيه الجميع بصفتهم مواطنين لا من خلال انتماءاتهم الطائفية أو المناطقية، وهو ما يفتقده السوريون حالياً.
صدمات متكررة
وأشار إلى أن التعامل مع المسألة الطائفية في سوريا غالباً ما يتم بشكل سطحي، عبر تسميات وتوصيفات لا تعكس حقيقة الظاهرة، مؤكداً أن الانتماء الطائفي أو العشائري ليس دائماً طائفياً بالمعنى السياسي، بل كان أحياناً انعكاساً لحالة غياب الدولة وعجزها عن توفير مساحة للحوار العام.
وأكد أن الخطاب الطائفي يتغذى على الخوف ويُنتج وهم الانتماء، وأن الحل يبدأ من إعادة تأسيس العلاقة بين الفرد والسياسة، عبر تدريب العقل السياسي والسماح للمواطن بأن يكون فاعلاً ومشاركاً لا مجرد متلقٍّ.
ودعا إلى استعادة فكرة الحوار كممارسة مجتمعية حقيقية تبدأ من الناس وتصب في بناء عقل جمعي جديد، بدلاً من الاكتفاء بالشعارات أو الاستعراضات الشكلية.
ورأى أن الأزمة ليست فقط في غياب الدولة، بل في سقوط فكرة التفكير الجماعي، إذ لم يُتح للمواطن السوري عبر السنين فرصة التفكير في الشأن العام كحق وممارسة والاكتفاء بالسعي وراء الترند.
التناول الإعلامي
وانتقد الدكتور الدبس طريقة تعامل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مع هذه القضايا، معتبراً أنها ساهمت في تضخيم الانقسامات.
وأوضح أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تنتج سرديات سريعة، لكنها تفتقر للتأمل والعمق، بل تُوظَّف أحياناً سياسياً بشكل سلبي.
وأشار إلى وجود آلاف الحسابات المصطنعة التي تُستخدم لتفجير الانقسامات، في ظل غياب مؤشرات دقيقة تقيس المزاج العام السوري الحقيقي.
وندد بأداء بعض الجهات السياسية المعارضة، متهماً إياها بأنها لم تنجح في إنتاج سردية وطنية جديدة، بل استعادت أدوات النظام القديم (كالشخصنة وتوجيه الخطاب نحو الولاءات)، مما ساعد على استمرار الشرخ المجتمعي السوري.
وأوضح أن بناء الدولة السورية لا يمكن أن يتم دون مشروع سياسي جديد يضع المواطنة والكرامة والسيادة الفردية في المقدمة، وليس الانتماءات الضيقة، مؤكداً أن مواجهة الكراهية تبدأ ببناء خطاب عاقل يُفسح المجال للحوار بتعديل المناهج ولغة الإعلام.
واعتبر أن الكرامة، كمفهوم وطني جامع، تختلف عن الفخر القبلي أو الرجولة كما تُستخدم شعبياً، داعياً لتوافر آلية تساهم في كيفية إعادة بناء العقل السياسي السوري، منتقداً التركيز الحالي على الفعل المحلي الضيق على حساب التفكير الوطني الأشمل.
إقرأ المزيد