تركيا اليوم - 10/30/2025 6:13:06 PM - GMT (+3 )
يشكو آلاف المقيمين العرب في إسطنبول من الارتفاع الكبير في إيجارات المساكن مع بداية عام 2025، إذ تحوّل السكن من حاجة أساسية إلى عبء اقتصادي خانق، خاصة بعد انتهاء العمل بالقيود الحكومية التي كانت تحدّ من الزيادة السنوية للإيجار.
وبحسب هيئة الإحصاء التركية (TÜİK)، ارتفعت أسعار الإيجارات في العديد من مناطق المدينة بنسبة تتراوح بين 70% و120% مقارنة بالعام الماضي، مدفوعة بتزايد الطلب من السكان المحليين والأجانب على حد سواء.
أزمة ممتدة منذ 2021
تعود جذور الأزمة إلى عام 2021، حين شهدت تركيا موجة تضخم غير مسبوقة وارتفاعًا حادًا في تكاليف البناء والطاقة، ما أدى إلى تراجع المعروض من الشقق الجديدة وارتفاع الأسعار تدريجيًا حتى بلغت مستويات قياسية في نهاية 2024.
وفي إسطنبول، التي يزيد عدد سكانها عن 16 مليون نسمة، تجاوز متوسط إيجار الشقة المتوسطة 20 ألف ليرة تركية شهريًا في بعض المناطق، بعد أن كان لا يتعدى 3 آلاف ليرة قبل خمس سنوات.
وتتصدر مناطق مثل باشاك شهير، كاديكوي، الفاتح وبيليك دوزو قائمة المناطق الأغلى، بينما تبقى مناطق مثل أسنيورت وسلطان غازي أقل تكلفة لكنها تعاني من ازدحام وضعف في الخدمات.
العرب الأكثر تضررًا
يُقدّر عدد المقيمين العرب في إسطنبول بأكثر من 1.5 مليون شخص من جنسيات مختلفة، أبرزها السورية والعراقية واليمنية والمصرية والفلسطينية واللبنانية.
يقول “أبو محمد”، مقيم سوري في باشاك شهير:
“كنا ندفع 7 آلاف ليرة قبل سنتين، واليوم يطلب صاحب المنزل 18 ألفًا. لا يوجد سقف للزيادة ولا حماية حقيقية للمستأجر.”
وتشير شهادات كثيرة إلى أن بعض الملاك يفرضون زيادات تتجاوز الحد القانوني السابق البالغ 25%، مبررين ذلك بارتفاع الدولار وتكاليف الصيانة، مما يضع المستأجرين بين خيارين صعبين: القبول أو الإخلاء.
نهاية سقف الـ25%
حتى منتصف 2024، كانت الحكومة التركية تحدد سقف الزيادة السنوية للإيجارات بـ25% فقط.
لكن مع بداية عام 2025، انتهى العمل بهذا القرار، لتُترك الأسعار لآليات السوق.
وأكد وزير العدل التركي أن القانون المدني ما زال يمنح المستأجرين حق الاعتراض على الزيادات المبالغ فيها أمام القضاء، غير أن اللجوء للمحاكم يتطلب وقتًا وتكاليف لا يستطيعها كثير من المقيمين الأجانب.
التضخم وسعر الصرف يفاقمان الأزمة
يرى الاقتصاديون أن الأزمة ترتبط مباشرة بمؤشرات الاقتصاد الكلي، إذ يبلغ معدل التضخم السنوي نحو 65%، بينما تجاوز سعر صرف الدولار 35 ليرة تركية، ما رفع تكاليف البناء والصيانة.
كما أدت الفوائد البنكية المرتفعة إلى ضعف الإقبال على شراء المنازل، وزيادة الطلب على الإيجار. في المقابل، قلّ المعروض من الشقق بعد اتجاه كثير من الملاك لتأجير منازلهم للسياح عبر منصات مثل Airbnb.
أعلى مناطق الغلاء في إسطنبول
| المنطقة | متوسط الإيجار الشهري (ليرة تركية) | نسبة الزيادة السنوية |
|---|---|---|
| كاديكوي | 33,000 | +118% |
| بشيكتاش | 29,000 | +95% |
| باشاك شهير | 22,000 | +85% |
| الفاتح | 21,500 | +90% |
| أسنيورت | 15,000 | +70% |
ويلاحظ أن المناطق ذات الكثافة العربية مثل باشاك شهير وأسنيورت تشهد ضغطًا كبيرًا بسبب تزايد الطلب من الجالية العربية.
تضرر الملاك أيضًا
يقول أحد الملاك في بيليك دوزو:
“الفواتير والضرائب والصيانة كلها تضاعفت، من الطبيعي أن نرفع الإيجار.”
لكن المستأجرين يرون أن الزيادات غير منطقية مقارنة بمستويات الدخل. وتُظهر الدراسات أن الأسر في إسطنبول تنفق نحو 45% من دخلها الشهري على السكن، وهو من أعلى المعدلات في أوروبا وآسيا.
خطوات حكومية محدودة
أطلقت وزارة البيئة والإسكان مشروعًا لبناء 250 ألف وحدة سكنية منخفضة التكلفة، إلا أن أغلبها مخصص للمواطنين الأتراك، فيما بدأت الحكومة بمراقبة الإعلانات العقارية على الإنترنت وتنظيم عمل الوسطاء، في محاولة للحد من التلاعب والاحتيال.
لكن رغم ذلك، لم تُظهر الأسعار أي تراجع ملموس حتى الآن.
نصائح للعرب في تركيا
يوصي خبراء العقارات المقيمين العرب بعدة خطوات للتخفيف من الضغط المعيشي، منها:
-
الانتقال إلى ضواحٍ أبعد وأرخص مثل سيليفري وتشاتالجا.
-
تقاسم السكن بين عائلتين مؤقتًا.
-
توثيق العقود رسميًا في كاتب العدل (النوتر).
-
تجنب الدفع بالعملات الأجنبية داخل تركيا.
-
الابتعاد عن المكاتب غير المرخصة لتفادي الاحتيال العقاري.
هل تنخفض الأسعار قريبًا؟
يتوقع محللون أن تبدأ وتيرة ارتفاع الإيجارات بالتباطؤ في منتصف 2025 مع دخول مشاريع جديدة إلى السوق وتشديد الحكومة على ضرائب الشقق غير المشغولة.
لكن حتى ذلك الحين، تبقى الأسعار مرتفعة نسبيًا في المدن الكبرى، خصوصًا إسطنبول وأنقرة وإزمير.
ختامًا
في ظل الأزمة الحالية، تدعو نيو ترك بوست الجالية العربية إلى التحلي بالحذر والتأكد من قانونية العقود واستشارة الخبراء قبل توقيع أي اتفاق، فالسكن في تركيا لم يعد مجرد عنوان إقامة، بل قرار اقتصادي يحتاج إلى وعي وتخطيط.
إقرأ المزيد


